” قَالَ تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} (البقرة: 74).
ثم بَيَّن وجه كونها أشدّ قسوة، بقوله: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا
يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ
فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ
اللَّهِ} (البقرة: 74).
وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا
كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ
فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} (الحديد: 16).
وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ
أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (الزمر: 22) فوصف أهل الكتاب بالقسوة،
ونهانا عن التشبه بهم.
قال بعضُ السلف: لا يكون أشدّ قسوة من صاحب الكتاب إذا قسا…
وقال مالك بن دينار: ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب. ذكره عبدُ الله بن أحمد في “الزهد” .
وقال حُذيفة المرعشي: ما أصيب أحدٌ بمصيبة أعظم من قساوة قلبه. رواه أبو نُعيم
•• وأمَّا أسبابُ القسوة فكثيرة :
• منها : كثرةُ الكلام بغير ذكر الله …
• ومنها: نقض العهد مع الله تعالى ، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ
مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} (المائدة:
13).
قال ابنُ عقيل يومًا في وعظه: يا من يجد من قلبه قسوة، احذر أنْ تكون نقضت
عهدًا؛ فإنَّ الله يقول: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} الآية .
• ومنها: كثرةُ الضَّحك؛ ففي الترمذي ، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لاً تُكْثِرُوا الضَّحِكَ، فَإِنَّ
كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ» [ انظر تخريجه في السلسلة الصحيحة
506 ] …
• ومنها: كثرةُ الأكل، ولا سيما إِنْ كان من الشُّبهات أو الحرام؛ قال
بشر ابن الحارث: خصلتان تُقسِّيان القلب، كثرةُ الكلام وكثرة الأكل. ذكره
أبو نُعيم.
وذكر المروذي في كتاب الورع، قال: قلتُ لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل-: يجد الرجلُ من قَلبه رقَّة وهو شبع؟ قال: ما أرى.
• ومنها: كثرةُ الذنوب، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين: 14)
وفي “المسند”، والترمذي، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
“إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي
قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ
زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ
اللهُ فِي كِتَابِهِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} “وقال الترمذي: صحيح ” (وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة 3441
).
قال بعضُ السلف: البدن إذا عري رقَّ، وكذلك القلب إذا قلت خطاياه أسرعت دمعتهُ.
وفي هذا المعنى يقول ابن المبارك -رحمه الله-:
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ … وَيُتْبِعُهَا الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ … وَالْخَيْرُ لِلنَّفْسِ عِصْيَانهَا
•• وأمَّا مزيلاتُ القسوة، فمتعددة أيضاً:
• فمنها: كثرةُ ذكر الله الَّذِي يتواطأ عليه القلب واللسان؛ قال
المعلَّى بن زياد: إِنَّ رجلاً قال للحسن: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوه
قلبي، قال: أدنه من الذكر.
وقال وهب بن الورد: نظرنا في هذا الحديث، فلم نجد شيئًا أرق لهذه القلوب ولا أشد استجلابًا للحق من قراءة القرآن لمن تدبره.
وقال يحيى بن مُعاذ، وإبراهيم الخواص: دواءُ القلب خمسة أشياء: قراءة
القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرَّع عند السحر، ومجالسة
الصالحين.
والأصل في إزالة قسوة القلوب بالذكر قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).
وقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا
مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر:
23)، وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (الحديد: 16)…
• ومنها: الإحسانُ إِلَى اليتامى والمساكين؛ روى ابن أبي الدنيا: ثنا
علي بن الجعد، حدثني حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني، عن أبي هريرة”:
“أَنَّ رَجُلًا، شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ: “إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَلِينَ
قَلْبُكَ فَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ”. إسناده
جيد (انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة : 854)…
وروى أبو نعيم من طريق عبد الرزاق، عن معمر ، عن صاحب له: أنَّ أبا
الدرداء كتب إِلَى سلمان: “ارْحَمِ الْيَتِيمَ وَأَدنِهِ مِنْكَ،
وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَشْتَكِي
قَسَاوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ: «أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ؟ فَقَالَ
لَهُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «أَدْنِ الْيَتِيمَ مِنْكَ، وَامْسَحْ رَأْسِهِ،
وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُلَيِّنُ قَلْبَكَ
وَتَقْدِرُ عَلَى حَاجَتِكَ»(انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة : 854)…
ونقل أبو طالب أنَّ رجلاً سأل أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- فَقَالَ له: كيف يرقُّ قلبي؟ قال: ادخل المقبرة، وامسح رأس اليتيم.
• ومنها: كثرةُ ذكر الموت؛ ذكر ابنُ أبي الدُّنْيَا بإسناده، عن منصور
بن عبد الرحمن، عن صفية “أنَّ امرأة أتت عائشة لتشكو إليها القسوة ،
فقالت: أكثري ذكر الموت، يرق قلبك وتقدرين عَلَى حاجتك. قالت: ففعلت،
فآنست من قلبها رشدًا، فجاءت تشكر لعائشة -رضي الله عنها-“.
وكان غيرُ واحد من السلف، منهم سعيد بن جُبير، وربيع بن أبي راشد يَقُولُونَ: لو فارق ذكرُ الموت قلوبنا ساعة لفسدت قلوبُنا.
وفي “السُّنن” عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ
هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» الموت [ صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم
3333 ]…
• ومنها: زيارةُ القبور بالتفكر في حال أهلها ومصيرهم؛ وقد سبق قولُ أحمد للذي سأله ما يُرقُّ قلبي؟ قال: ادخل المقبرة.
وقد ثبت في “صحيح مسلم” (برقم (976))، عن أبي هريرة” عن النبي -صلى الله
عليه وسلم- وقال: «زُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْت».
وعن بُريدة، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ
عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ»
رواه أحمد والترمذي وصححه (ومسلم (672) وغيرهم من أهل السنن) .
وعن أنس، أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “كُنْتُ قَّدْ
نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، ثُمَّ قَّدْ بَدَا لِي أَنَّهَا
تُرِقُّ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ،
فَزُورُوهَا وَلاً تَقُولُوا هُجْرًا” رواه الإمام أحمد ، وابن أبي
الدُّنْيَا ( انظر أحكام الجنائز للألباني صفحة 179 )
وذكر ابنُ أبي الدُّنْيَا، عن محمد بن صالح التمار قال: كان صفوانُ بن
سليم يأتي البقيع في الأيام فيمر بى، فاتبعته ذات يوم. وقلت: والله
لأنظرنَّ ما يصنع. قال: فقنَّع رأسه وجلس إِلَى قبر منها، فلم يزل يبكي حتى
رحمته. قال: ظننتُ أنه قبر بعض أهله. قال: فمر بي مرة أخرى، فاتبعته فقعد
إِلَى جنب قبر غيره. ففعل مثل ذلك فذكرتُ ذلك لمحمد بن المنكدر، وقلتُ:
إِنَّمَا ظننتُ أنه قبر بعض أهله. فَقَالَ محمد: كلهم أهله وإخوانه،
إِنَّمَا هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات، كلّما عرضت له قسوةٌ. قال: ثم جعل
محمد بن المنكدر بعد يمرّ بي فيأتي البقيع، فسلَّمت عليه ذات يوم،
فَقَالَ: ما نفعتك موعظة صفوان. قال: فظنت أنه انتفع بما ألقيتُ إِلَيْهِ
منها.
وذكر أيضاً أنَّ عجوزًا مُتَعبِّدة من عبد القيس كانت تُكثر إتيان
القبور، فعُوتبت في ذلك. فقالت: إِنَّ القلب القاسي إذا جفا لم يليِّنه
إلاَّ رسوم البلى، وإنِّي لآتي القبور وكأني أنظر إليهم وقد خرجوا من بين
أطباقها، وكأني أنظر إِلَى تلك الوجوه المتعفِّرة، وإلى تلك الأجسام
المتغيِّرة، وإلى تلك الأكفان الدنسة. فيا له منظر لم أَسرّ به قلوبهم، ما
أنكل مرارة الأنفس وأشد تلفة الأبدان.
وقال زياد النميري: ما اشتقت إِلَى البكاء إلاَّ مررت عليه. قال له رجل:
وكيف ذلك؟ قال: إذا أردتُ ذلك خرجت إِلَى المقابر فجلست إِلَى بعض تلك
القبور، ثم فكَّرتُ فيما صاروا إِلَيْهِ من البلى، وذكرت ما نحن فيه من
المُهلة. قال: فعند ذلك تختفي أطوَاري!
وقلتُ والله الموفَّق:
أفي دار الخراب تظل تبني … وتعمر ما لعمران خُلقتا
وما تركت لك الأيامُ عذرًا … لقد وعظتك لكن ما اتعظتا
تُنادي للرحيل بكل حين … وتُعلن إنَّمَا المقصودُ أنتا
وتُسمعك النداءَ وأنت لاهٍ … عن الداعي كأنَّك ما سمعتا
وتعلم أنَّه سفرٌ بعيد … وعن إعداد زادٍ قد غفلتا
تنام وطالب الأيام ساعٍ … وراءك لا ينام فكيف نمتا
معائب هذه الدُّنْيَا كثير … وأنت عَلَى محبَّتها طُبعتا
يضيع العمرُ في لعبِ ولهو … ولو أُعطيت عقلاً ما لعبتا
فما بعد الممات سوى جحيمٍ … لعاص أو نعيم إِنْ أطعتا
ولست بآمل باطلٍ ردًّا لدنيا … فتعملُ صالحًا فِيما تركتا
وأوَّلُ من ألوم اليوم نفسي … فقد فعلتْ نظائرَ ما فعلتا
أيا نفسي أخوضًا في المعاصي … وبعد الأربعين وفيت ستّا
وأرجو أن يطول العمرُ حتى … أرى زاد الرحيل وقد تأتَّى
أيا غُصن الشباب تميل زهوًا … كأنك قد مضى زمن وشبتا
علمتَ فدع سبيلَ الجهل واحذر … وصيحة قد علمتَ وما عملتا
ويا من يجمع الأموال قل لي … أيمنعك الزدى ما قد جمعتا
ويا من يبتغي أمرًا مطاعًا … ليسمع نافذًا مَن قد أمرتا
عججت إِلَى الولاية لا تُبالي … أجرت عَلَى البرية أم عدلتا
ألا تدري بأنك يوم صارت … إليك بغير سكين ذُبحتا
وليس يقوم فرحةُ قد تولَّى … بترحة يوم تسمع قد عُزلتا
ولا تمهل فإن الوقت سيف … فإنْ لم تغتنمه فقد أضعتا
ترى الأيام تُبلي كل غُصن … وتطوي مِن سرورك ما نشرتا
وتعلم إنَّما الدُّنْيَا منام … فأحلى ما تكون به انتبهتا
فكيف تصدّ عن تحصيل باق … وبالفاني وزخرفه شُغلتا
هي الدُّنْيَا إذا سرتك يومًا … تسوءك ضعف ما فيها سررتا
تغرّك كالسراب فأنت تسري … إليه وليس تشعر قد غررتا
واشهد كم أبادت من حبيب … كأنك آمن مما شهدتا
وتدفنهم وترجع ذا سُرور … بما قد نلت من إرث وحرثا
وتنساهم وأنت غدًا ستفنى … كأنك ما خلقت ولا وجدتا
تُحدِّث عنهم وتقول كانوا … نعم كانوا كما والله كنتا
حديثك هم وأنت غدًا حديث … لغيرهم فأحسن ما استطعتا
يعود المرء بعد الموت ذكرًا … فكن حسن الحديث إذا ذكرتا
سل الأيام عن عم وخال … ومالك والسؤال وقد علمتا
ألست ترى ديارهم خلاء … فقد أنكرت منها ما عرفتا
• ومنها: النظرُ في ديار الهالكين، والاعتبار بمنازل الغابرين.
روى ابنُ أبي الدُّنْيَا في كتاب “التفكر والاعتبار”، بإسناده عن عُمر
بن سليم الباهلي، عن أبي الوليد، أنَّه قال: كان ابن عمر إذا أراد أنْ
يتعاهد قلبَه يأتي الخربة فيقف عَلَى بابها، فيُنادي بصوت حزين، فيقول:
أَين أهلك؟ ثم يرجع إِلَى نفسه، فيقول: كل شيء هالكٌ إلاَّ وجهه”.
وروى في كتاب “القبور” بإسناده، عن محمَّد بن قُدامة قال: كان الرَّبيعُ
ابن خُثيم إذا وجد من قلبه قسوةً يأتي منزل صديق له قد مات في الليل
فيُنادي: يا فُلان ابن فلان، يا فلان ابن فلان. ثم يقول: ليت شِعري، ما
فعلتَ وما فُعل بك؟ ثم يبكي حتى تسيل دموعه، فيعرف ذاك فيه إِلَى مثلها.
• ومنها: أكلُ الحلال؛ روى أبو نُعيم وغيرهُ، من طريق عُمر بن صالح
الطرسوسي، قال: ذهبتُ أنا ويحيى الجلاء -وكان يقال إنّه من الأبدال- إِلَى
أبي عبد الله أحمد بن حنبل فسألتُه، وكان إِلَى جنبه بوران وزُهير الجمال،
فقلت: رحمك الله يا أبا عبد الله، بم تلين القلوبُ؟ فنظر إِلَى أصحابه
فغمزهم بعينه، ثم أطرق ثم رفع رأسه، فَقَالَ: يا بني بأكل الحلال. فمررتُ
كما أنا إِلَى أبي نصر بشر بن الحارث، فقلتُ له يا أبا نصر، بم تلين
القلوب؛ فَقَالَ: ألا بذكر الله تطمئن القلوب. قلت: فإني جئتُ من عند أبي
عبد الله قال: هيه ، أي شي قال لك أبو عبد الله؟ قلت: قال: بأكل الحلال.
فَقَالَ: جاء بالأصل، جاء بالأصل. فمررتُ إِلَى عبد الوهاب الوراق، فقلتُ:
يا أبا الحسن بم تلين القلوب؟ فَقَالَ: ألا بذكر الله تطمئن القلوب. قلت:
فإني جئتُ من عند أبي عبد الله. فاحمرت وجنتاه من الفرح. فَقَالَ لي: أي
شيءٍ قال أبو عبد الله؟ قلتُ: بأكل الحلال. فَقَالَ: جاءك بالجوهر، جاءك
بالجوهر، الأصل كمال الأصل.
… والحمد لله وحده ” انتهى
من رسالة الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى الموسومة بذم قسوة القلب ضمن مجموع رسائله [ 1/259 ] ببعض الاختصار.